المقدمــة لابن خلـــدون
(732 - 808هـ، 1332 - 1406م)
1-    الموضوعات المقــدمـــة:
بشأن الموضوعات التى كتب عنها ابن خلدون فى مقدمته نرى أنه بدلاً من تتبع الموضوعات التى تضمنها الكتاب فإننا نحيل إلى واحد من المؤتمرات التى عقدت عن ابن خلدون ـ وهى كثيرة، والتى شارك فيها علماء لهم اعتبارهم فى تخصصاتهم. نحيل إلى المؤتمر الذى عقده المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة فى الفترة من 2 ـ 6 يناير 1962. لقد دارت المناقشة فى هذا المؤتمر على محاور وفى كل محور عدد من الموضوعات. نكتفى بالإشارة إلى موضوعات المحاور.
-  ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع.
-  ابن خلدون الفيلسوف.
-  المنهج الوصفى عند ابن خلدون.
-  آراء ابن خلدون فى الاقتصاد والسياسة.
-  ابن خلدون المؤرخ.
-  ابن خلدون والدين.
-  ابن خلدون المربى.
-  ابن خلدون والأدب.
2-    ترجمة كتاب المقدمة إلى غير اللغة العربية:
ترجمة المقدمة إلى اللغة التركية
ترجمة المقدمة إلى بعض اللغات الأوروبية
في إطار الاهتمام بترجمة مقدمة ابن خلدون إلى اللغات الأجنبية يذكر أنه منذ عام 1940 بدأ اهتمام اليابانيين بدراسة فكر ابن خلدون، وقد ترجموا أجزاء كثيرة من مقدمته.
3-    آراء بعض المفكرين حول أهمية مساهمة ابن خلدون:
ابن خلدون مفكر واسع الثراء المعرفى، اعترف علماء كثيرون فى الشرق والغرب بأهمية آرائه وريادته فى العلوم الاجتماعية. تعقد هذه الفقرة للتعريف ببعض الآراء التى اعترفت بالقيمة الكبيرة للمساهمة العلمية التى قدمها ابن خلدون([1]).
رأى عالم الاجتماع لودفيج جمبلوفتش (1838 ـ 1909): "جاء عربى نقى قبل أوجست كونت بل قبل فيكو الذى أراد الإيطاليون أن يجعلوا منه أول اجتماعى أوروبى فدرس الظواهر الاجتماعية بعقل متزن وأتى فى هذا الموضوع بآراء عميقة جعلت ماكتبه عبارة عما نسميه اليوم علم الاجتماع".
رأى المؤرخ المعروف أرنولد توينبى :
"لقد توصل ابن خلدون إلى فلسفة التاريخ، ويعد عمله هذا أعظم عمل أو تأليف أبدعه فكر فى أي زمان ومكان".
رأى المؤرخ الإنجليزى روبرت فلينت :
"إذا نظرنا إلى ابن خلدون كمؤرخ قد نجد من يتفوق عليه حتى من كتاب العرب أنفسهم، أما إذا نظرنا إليه كواضع لنظريات فى التاريخ فإنه منقطع النظير في كل مكان وزمان".
رأى سارتون فى كتابه مدخل لتاريخ العالم:
"إنه لمن المدهش أن يكون ابن خلدون قد توصل فى تفكيره إلى اصطناع ما يسمى اليوم بطريقة البحث التاريخي".
رأى اسكندر روفتش بيتبريم سوروكن:
"يبحث ابن خلدون فى كل الموضوعات التى تدخل فى نطاق علم الاجتماع، والقسم الأكبر من بحوثه يعتبر حديثاً حتى فى أيامنا هذه".
رأى المؤرخ والمفكر العربى ساطع الحصري:
"بعد انتشار المقدمة صار علماء الاجتماع والتاريخ والاقتصاد يطلعون على آراء ابن خلدون ويلفتون الأنظار إلى مايجدون فيها من النظريات القيمة حول بعض المسائل التى لم يفرغوا من درسها وبحثها إلا فى المدة الأخيرة".
4-    ابن خلدون وتأسيس مذهب الحرية الاقتصادية
من تحليل نصوص في كتاب المقدمة ثبت أن ابن خلدون أسس لمذهب الحرية الاقتصادية. لقد دافع عن حرية الإنتاج وعن حرية التبادل ن كما كان ضد أن تكون الدولة تاجراً أو منتجاً، كذلك كان ضد إستخدام أدوات إقتصادية تخل بعمل السوق.
يمكن أن يدخل فى النتيجة التى كشفت عنها المناقشة ما يتمتع به فكر ابن خلدون من الإنسجام والائتلاف فى موضوع الحرية الاقتصادية. إن فكرته منسجمة فى عناصرها، لأنه لم يقرر رأياً بشأن حرية عنصر من العناصر الاقتصادية يمكن أن يكون مناقضاً لرأيه فى حرية عنصر آخر.
هكذا تكون فكرة ابن خلدون تشبع شرط الإنسجام الداخلى بين عناصر الحرية الاقتصادية. كذلك تشبع فكرته شرط الإنسجام الخارجى مع آرائه عن العناصر الاجتماعية الأخرى.
5-    ابن خلدون وفلسفة تفسير التاريخ:
نتيجة البحث عن تأسيس ابن خلدون لعلم الاقتصاد
علم الاقتصاد على النحو الذى يعرضه الفكر الأوروبي علم تفسيري؛ يفسر الواقع الاقتصادي بقوانين اقتصادية اكتشفها الاقتصاديون خلال مسيرة هذا العلم. ثبت من تحليل آراء ابن خلدون.
هو مؤسس علم الاقتصاد بأبعاده المعرفية والمنهجية التحليلية والقوانين الاقتصادية. والتحفظ الذى يرد على هذه النتيجة هو أن البعد المعرفى والبعد التحليلى عند ابن خلدون من طبيعة مغايرة لما عليه الحال فى الفكر الأوروبى.
يترتب على النتيجة السابقة نتيجة أخرى هى أن علم الاقتصاد اكتمل مولده فى تراث المسلمين العلمى فى الاقتصاد، وذلك بفارق زمنى مقداره أربعة قرون سابقة على التاريخ الذى يقول به الأوروبيون من أنه ولد مع آدم سميث فى الربع الأخير من القرن الثامن عشر.
6-    عناصر نظرية العمران فى الفكر الخلدوني:
يمكن أن تلخص العلاقة بين العمران والعوامل أو العناصر التي ربطت به في الفكر الخلدونى. في اعتماد العمران علي:
§        السياسة الدينية (الإسلامية).
§        التعليم (المتغير التكنولوجى).
§        المقومات المؤسسية (البيئة المدنية والبيئة السياسية).
§        المتغير التوزيعى.
§        السكان (عنصر العمل).
§        المقومات الطبيعية.
§        الملكية الخاصة والحافز على الربح.
7-    القوانين والنظريات الاقتصادية الخلدونية:
نظرية القيمة / العمل أساس القيمة:
نستنتج مما عرض في الكتاب أن موضوع القيمة كان موضوعاً رئيسياً مع ولادة الاقتصادين اللذين ينقسم إليهما الاقتصاد الأوروبى وهما الاقتصاد الرأسمالى والاقتصاد الاشتراكى. هذا جزء من النتيجة، وجزء آخر إن الاقتصاديين الذين ولد على أيديهم علم الاقتصاد الأوروبى بفرعيه الرأسمالى والاشتراكى بدأوا الكتابة فى موضوع القيمة من الفكرة التى قال بها ابن خلدون، جزء ثالث فى النتيجة أن ابن خلدون سابق بأرائه بأكثر من أربعة قرون، جزء رابع فى النتيجة وقد لايكون الأخير هو أن ابن خلدون كان واضحاً عنده أن العمل هو أساس القيمة ولم يقل إن العمل هو المحدد الوحيد للقيمة. وهذا الأمر لم يصل إليه الفكر الاقتصادى الأوروبى فى بداية عمله على هذا الموضوع وإنما بعد مساهمات متعددة.
الحافز الاقتصادى فى الفكر الخلدوني / الحافز الشخصي:
من المسلمات فى الفكر الأوروبى اعتبار مساهمة آدم سميث فى موضوع الحافز الاقتصادى أولى المساهمات وأهمها. إن الفكر الأوروبى يجعل من أسباب أبوة آدم سميث لعلم الاقتصاد المساهمة التى قدمها عن الحافز الاقتصادى. ولايقف الفكر الأوروبى بأهمية ماقاله آدم سميث عن الحافز عند الجانب الأكاديمى بل يمده إلى الجانب التطبيقى. هذا ايريك رول ومساهمته فى كتابة تاريخ الفكر الاقتصادى معروفة يقول عن سميث : إنه رجع صدى لرجال الصناعة الذين كانوا ضد أى نوع من القيود فى الأسواق... وأن سميث مثل مصالح الطبقة الفردية. هكذا يربط ماقاله سميث عن الحافز الاقتصادى بالواقع أو الجانب التطبيقى.
الفكرة المحورية للحافز التى يدور عليها فكر آدم سميث توجد عند ابن خلدون. إن التشابه بين عرض سميث وعرض ابن خلدون شديد الوضوح. بل قد لايكون من قبيل المبالغة القول بأن آدم سميث لو كتب فكرته باللغة العربية لجاءت مطابقة لما كتبه ابن خلدون.
كتاب ابن خلدون يسبق كتاب سميث بأكثر من ثلاثة قرون. وعلى ذلك فإن الريادة التاريخية فى موضوع الحافز الاقتصادى تعقد لابن خلدون. واستطراداً فإنه إذا كانت الأبوة لعلم الاقتصاد من أسباب القول بها ماجاء عن الحافز فإن هذه الأبوة تكون لابن خلدون ([2]).
8-    مقارنة بين مساهمة ابن خلدون والمساهمة الأوروبية في موضوع دورة الدخل:
يرجع الفكر الأوروبي دراسة دورة الدخل القومى إلى فرانسوا كيناى([3]). بكتابه المشهور وعنوانه " الجدول الاقتصادى "([4]) فى هذا الكتاب عرض كيناى دورة المنتج الصافى بين طبقات المجتمع المختلفة. اعتبر ميرابو كتاب كيناى أهم ماقدمه الفكر البشرى فى موضوعه، بل يعتبر ماجاء به مساوياً لاختراع الكتابة واختراع النقود([5]).
يتضمن كتاب كيناى كثيراً من الأفكار التي كتبها ابن خلدون فى كتابه المقدمة ومن ذلك تقسيم الدخل بين الطبقات المتسلمة له؛ عند كيناى: المزارعون والملاك والطبقة العقيمة وعند ابن خلدون القطاع العائلى والقطاع الحكومى.
بعض المصطلحات التى استخدمها ابن خلدون ظهرت عند كيناى. من ذلك مصطلح ابن خلدون معاش طبيعى وغير طبيعى ويظهر عند كيناى نشاط طبيعى وغير طبيعى.
كتاب المقدمة لابن خلدون سابق على كتاب كيناى بحوالى ثلاث قرون. وهذا يجعل لابن خلدون الريادة التاريخية فى موضوع دورة الدخل القومى. لابن خلدون ريادة موضوعية؛ إن حسابات الدخل القومى فى الدراسات الاقتصادية الحالية تستخدم مصطلحات أقرب لمصطلحات ابن خلدون عن مصطلحات كيناى مما يذكر أن يكناي فرنس وكان كتاب المقدمة لابن خلدون مترجماً إلى الفرنسية وموجود في مكتبات باريس عند كتابة كيناي آراءه.
من الأمور التي يجب البحث فيها أن آدم سميث (انجليزي) عاش في باريس في الفترة من 1766 – 1776م وثبت أن كتاب المقدمة لابن خلدون كان مترجما باللغة الفرنسية وموجود في مكتبات باريس.
9-    كلمة ختام عن ابن خلدون:
موقف الأوروبيين من فكر ابن خلدون:
موقف الأوروبيين من ابن خلدون ومساهماته العملية فيه عناصر تتناقض بحدة. بين الأوروبيين من يعترف لابن خلدون بأهمية آرائه العلمية. ومع هذا الفريق تظهر روح إنصاف، إلا أن الأوروبيين جميعاً ومعهم هذا الفريق عندما يكتبون تاريخ العلوم، وهى التي يتحدد فيها مسارات العلم والمساهمات الرئيسية فيه فإنهم ينسون كلية ابن خلدون ولا يذكر شيء عن مساهماته. للتدليل على ذلك فى مجال الاقتصاد نحيل إلى كتابين لهما شهرتهما في تاريخ الفكر الاقتصادي وهما كتاب رول وشومبيتر لقد أهملت فيهما كلية مساهمة ابن خلدون في الفكر الاقتصادي.
فى داخل هذا الموقف الأوروبى المتناقض نجد فريقاً من الأوربيين يربط ابن خلدون ربطاً قوياً بفلاسفة الحضارة اليونانية وعلى الأخص أفلاطون وأرسطو، والأوروبيون يربطون حضارتهم المعاصرة بالحضارة الإغريقية. كان المتوقع ممن يربط ابن خلدون بفلاسفة الحضارة الإغريقية أن يصبح ابن خلدون حلقة فى سلسلة الحضارة الإنسانية التى بدأت كما يرى الأوروبيون باليونان وانتهت إلى الحضارة الغربية المعاصرة. لكن هذا الربط ليس له وجود فى كتابات الأوروبيين. ونحن نحيل إلى الموضوع الذى نقدم عنه دراستنا وهو الاقتصاد.
الموقف الأوروبى المتناقض من ابن خلدون يعمم على العلاقة بين الحضارة الإسلامية والحضارة الأوروبية. هنا من يزعم " أن أوروبا المسيحية قد استطاعت فى القرن الثالث عشر خاصة أن تجمع من المواد العلمية والفلسفية مايسمح لها بأن " تكون نظرة " شاملة للحياة ومذهبا محكم الأجزاء فى الفلسفة وفى اللاهوت... فلم تعد أوروبا فى حاجة إلى التماس العناصر الأساسية خارج منطقتها الأوروبية"([6]).
محاولة نفى تأثير الحضارة الإسلامية على الحضارة الأوروبية موضوع فيه دراسات كثيرة. نرى أن نقتصر على عرض مناقشة مختصرة عن ابن خلدون، فى هذه المناقشة تجرى مقابلة بين آراء ابن خلدون وآراء آدم سميث. السبب فى اختيار آدم سميث لأنه مؤسس الاقتصاد فى رأى الأوروبيين.
كتاب آدم سميث الذى يرى الأوروبيون أن آدم سميث بدأ به علم الاقتصاد هو كتاب ثروة الشعوب. هذا الكتاب فيه آراء كثيرة تتشابه بل تتطابق مع آراء ابن خلدون. التخصص وتقسيم العمل موضوع رئيسى عند ابن خلدون، هذا الموضوع هو الموضوع الأول فى كتاب ثروة الشعوب، بل إن بعض الأمثلة التى ذكرها ابن خلدون عن التخصص وتقسيم العمل تتشابه مع الأمثلة التى ذكرها آدم سميث.
موضوع القيمة واحد من الموضوعات التى تجعل كتاب آدم سميث متصلاً بكتاب ابن خلدون وامتداداً له. ابن خلدون أول من كتب عن دور العمل فى القيمة. هذه الفكرة أخذها آدم سميث مبتدئاً بها النظرية الكلاسيكية فى القيمة.
فلسفة الحرية الاقتصادية تمثل عنصراً فاعلاً فى آراء ابن خلدون الاقتصادية. وفكرته عن الحافز الاقتصادى والأمثلة التى أعطاها. وقد بحث هذ1 الموضوع بتفصيل فى دراستنا ـ هذا الموضوع كله من حيث الحرية الاقتصادية والحافز يجعل دراسة آدم سميث متصلة بابن خلدون وامتداداً لها.
لاشك أن المقابلة الكاملة بين ماجاء بكتاب ابن خلدون وماجاء بكتاب آدم سميث يحتاج إلى دراسة موسعة مخصصة لهذا الموضوع، وكل مافعلناه هو إشارات إلى عناصر تشابه.
الاهتمام بإثبات وجود تشابه بين آراء ابن خلدون الاقتصادية وآراء آدم سميث له أسبابه. آدم سميث معتبر فى نظر الأوروبيين هو أب علم الاقتصاد، اثبات التشابه بين آرائه وآراء ابن خلدون يجعل ابن خلدون أولى بهذا الوصف.
إننا فى هذا البحث نضع فرضية هى أن آدم سميث اطلع على كتاب ابن خلدون. نقدم المناقشة التالية لاثبات هذه الفرضية.
آراء ابن خلدون عرفتها أوروبا قبل القرن الثامن عشر، أى سابقاً على عصر آدم سميث. وفرنسا قد تكون أول البلاد التى تعرفت على فكر ابن خلدون.
آدم سميث الانجليزى كان أستاذ فلسفة ومنطق فى جامعة جلاسجو. رحل إلى فرنسا وعاش بها عشر سنوات بمجرد عودته من فرنسا يكتب كتابه الذى يعتقد الأوروبيون أنه بدأ به علم الاقتصاد. هذا التحول الكامل فى فكر آدم سميث والانتقال من الفلسفة والمنطق إلى الاقتصاد حدث له بعد عودته من فرنسا التى كانت تعرف فكر ابن خلدون.
الوقائع التاريخية فى حياة آدم سميث على النحو المبين تدخل في الاستدلال على إثبات الفرضية التى وضعناها وهى أن آدم سميث اطلع على كتاب ابن خلدون.
10-     إسلامية آراء ابن خلدون:
                    ‌أ.      ادعاءات المستشرقين ضد ابن خلدون:
الفكرة التى يروج لها الأوروبيون هى أن البعد الإسلامي أو العامل الإسلامي لم يلعب دوراً فى فكر ابن خلدون. من أشهر الآراء التى قالها الأوروبيون عن ذلك([7]):
§        رأى المستشرق الهولندى دى بوير: الدين لم يؤثر فى آراء ابن خلدون العلمية بقدر ما أثرت الأرسطوطالية الأفلاطونية.
§   رأى المستشرق ناثانيل شميت : ابن خلدون إذا كان يذكر خلال بحثه كثيراً من آيات القرآن الكريم فليس لذكرها علاقة جوهرية بتدليله، ولعله يذكرها ليحمل قارئه على الاعتقاد بأنه فى بحثه متفق مع نصوص القرآن.
§   رأى المستشرق الألمانى فون فيسيدندك: ابن خلدون تحرر من أصفاد التقاليد الإسلامية فى درس شئون الدولة والإدارة وغيرها.
               ‌ب.      دراسات أثبتت إسلامية آراء ابن خلدون:
في مواجهة محاولة الأوروبيين قطع الصلة بين فكر ابن خلدون والإسلام قام مفكرون مسلمون ببحث هذه القضية بحثاً علمياً منهجياً. نعرض نتائج بعض الأبحاث في هذا الموضوع.
كتب الدكتور مصطفى الشكعة دراسة عن ابن خلدون. وقد لقيت هذه الدراسة اهتماماً واسعاً لأهمية النتائج التى تضمنتها عن مساهمة ابن خلدون. الدراسة كلها كاشفة عن الأسس الإسلامية فى فكر ابن خلدون. مع أن الدراسة كلها لها توجه إسلامى إلا أن الباحث خصص الباب الرابع للموضوع التالي: نظرية العمران إسلامية الأسس والتكوين. من النتائج التى تضمنها هذا الباب([8]):
§   حدد ابن خلدون شكل الحكومة التى تسوس العمران الإنسانى وحصر هذا الشكل فى الإطار الإسلامى الصحيح، وأن نظام الحكم الذى اختاره للعمران الإنسانى نظام إسلامى القاعدة والمنبع، شرعى المبنى والتطبيق.
§   كتب ابن خلدون عن المناصب فى الدولة الإسلامية مثل القضاء والشرطة والحسبة. وناقشها باعتبارها من الوظائف الشرعية وربط العمران بها.
§        كتب ابن خلدون عن ملامح مجتمع العمران وكلها ملامح إسلامية. من ذلك دراسته الموسعة عن التربية والتعليم.
§   ابن خلدون بنى نظريته فى العمران البشرى والاجتماع الإنسانى على علم التاريخ وأحداثه بعد تنقيتها من الزيف وتصويبها من الخطأ وتجريدها من الغلو من خلال منهج دقيق وضعه علماء الحديث هو علم الجرح والتعديل، ومن ثم فإن المنهج التصحيحى الذى طبقه ابن خلدون فى دراسته للتاريخ هو منهج إسلامى أصيل.
§   الدكتور عماد الدين خليل من المفكرين المسلمين الذين درسوا ابن خلدون لمعرفة إسلامية فكره. بناء على دراسته استنتج مايلى([9]):
§   ماكتيه اين خلدون فى مقدمته يرد على مزاعم المستشرقين. إن البعد الإسلامى واضح ومحدد وحاسم فى الموضوعات التى بحثها فى مقدمته. ومراجعة لهذا المؤلف تثبت ثلاثة موضوعات رئيسية. الأول : دور الدين فى الواقعة التاريخية. والثانى : الاتجاهات الدينية فى تفسيره لعديد من وقائع التاريخ الإسلامى. الثالث : تحليل دور الدين (فلسفة الدين).
11-     تفسير التاريخ
وصف نظرية ابن خلدون فى تفسير التاريخ بأنها تتفق مع ماهو متفق عليه إسلامياً فيه احجاف بهذه النظرية. إنه يمكن القول أن نظرية ابن خلدون فى تفسير التاريخ هى نظرية إسلامية. لقد أثبتت المناقشة في الكتاب أن ابن خلدون أسس هذه النظرية على عناصر، أولاها أن التطور محكوم بالمشيئة الإلهية، وثانيها أن التطور يجرى وفق سنن إلهية. على هذا النحو يدخل ابن خلدون إلى تفسير التاريخ من مدخل إسلامى كامل.
12-     العامل المعرفي في نظرية ابن خلدون:
يتأسس العامل المعرفى عند ابن خلدون على أن الطرق الموصلة إلى المعرفة هى الشرع والعقل والتجربة والحدس. ابن خلدون باعتقاده فى هذه الطرق الأربعة الموصلة إلى المعرفة فى المجال الاقتصادى إنما يطبق نظرية المعرفة الإسلامية العامة.


([1])  عرضت هذه الآراء بتفصيل فى المرجع التالى :
       دكتور محمد عبد المنعم نور، ابن خلدون كمفكر اجتماعى عربى، مؤتمر مركز البحوث الاجتماعية والجنائية، ص 110 ـ 115.
([2]) Rolle, E., op. cit, pp. 150 - 151.
([3])   فرانسوا كيناى Franscois Quesnay (1694 - 1774) وهو من مؤسسى مدرسة البطبعيين، وهى مدرسة اقتصادية تركز ظهورها فى الفترة 1750 - 1775.
([4])  Le Tableau Economique
([5])   ميرابو Mirabau اقتصادى فرنسى ولد فى 1715 ومات فى 1789 من مفكرى مدرسة الطبيعيين.
([6])   هذا رأى الأستاذ جورج شحاته قنواتى فى بحثه : ملاحظات حول ترجمة مقدمة ابن خلدون إلى اللغات الأجنبية، مهرجان أعمال ابن خلدون، المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، مرجع سابق، ص 546 ـ 547.
([7])   أحيل لدراسة هذا الموضوع إلى :
      دكتور عماد الدين خليل، ابن خلدون إسلامياً، المكتب الإسلامى، الطبعة الأولى، 1403هـ ـ 1983 م.
([8])   الدكتور مصطفى الشكعة : الأسس الإسلامية فى فكر ابن خلدون ونظرياته، الباب الرابع، ص 69 ـ 97، وانظر على الأخص الصفحات 77، 88، 89، 97.
([9])   د. عماد الدين خليل، ابن خلدون إسلامياً، ص 14، 15.

Post a Comment

Previous Post Next Post