التغذية والصحة
يعد دور التغذية دوراً حاسماً من بين متضمنات التنمية البشرية، لأنها تتحكم وتؤثر بعناصر المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية عن طريق تأثيرها على الصحة ونشاط الفرد والمجتمع من خلال الوقاية والعلاج ومساعدتها في الشفاء من المرض، وبينما يعتمد تحسين أحوال الأفراد بشكل كبير على الفرص الاقتصادية والتعليم والبيئة وغيرها، تبقى التغذية العنصر الأساس في التنمية، وقد تحدث العديد من الاقتصاديين عن أهمية التغذية الإضافي للعمال في زيادة إنتاجيتهم مثل مارشال و بيغو وغيرهم، وتحدث موربري عن تأثيراتها على  قدرة الجسم على التحمل حيث يقول "بأن قدرة تحمل الجسم والصحة تتأثران بالكفاءة الغذائية والرفاهية والقدرة العلاجية"، فتحسين التغذية تزيد من الطاقة الإنتاجية للعاملين سواء على أساس الإنتاجية الوقتية أو خلال مدة العمل في الحياة، بينما المستويات المنخفضة من التغذية تخفض الإنتاجية الوقتية أو خلال مدة العمل في الحياة،نتيجة لكونها تضعف الصحة الجسمية والعقلية من أنها تخفض الإنفاق على الصحة حيث تؤدي التغذية الجيدة إلى المحافظة على الجسم قوياً وبالتالي على مقاومة المرض والاحتفاظ بصحة جيدة، والإقلال من فقد الإنتاجية، وزيادة سنوات العمل، ومعالجة مشكلة زيادة عرض العمل، وتحسين نوعية العمل.
*إضافة إلى فوائد اقتصادية أخرى غير مباشرة، حيث أن تحسين تغذية العمال مثلاً يؤدي إلى تحسين مستوى حياة المعيلين لهم، وهذا يرفع من استهلاكهم الحالي وإنتاجيتهم المستقبلية، أما سوء التغذية فيؤثر في حصيلة العمل، ويتمثل الأثر الأكثر خطورة في أن قدرة التعلم تتأثر بصورة خطيرة بسوء التغذية مثل تأثرها بالمرض.
والفقراء عادة مجبرون على استنزاف موارد البيئة في سعيهم للحصول على قوتهم اليومي، لكن استخدامهم الجائر للبيئة يؤدي إلى مزيد من فقرهم مما يجعل بقاءهم ذاته أكثر صعوبة وأقل تيقناً من أي وقت مضى، حيث أن أشد حالات المعاناة الناشئة عن الضرر البيئي تتركز في أفقر المناطق وتؤثر على أفقر الناس غير القادرين على حماية أنفسهم.

3/توفر الغذاء وسوء التغذية.
لقد أثبتت الدراسات أنه ليس هناك مشكلة في توفير الغذاء على مستوى العالم، وليس هناك حد لموارد الثروة الزراعية نتيجة للتقدم المتواصل في العلوم والفنون الزراعية الذي فتح آفاقاً جديدة لإنتاج الطعام وزيادته، سواء كان هذا التقدم متعلقاً بالوسائل التي تؤدي إلى تغيرات كمية في عناصر الإنتاج أو إلى تغييرات نوعية مؤثرة في كفاءة الأداء الزراعي.
ويقاس سوء التغذية عادة من خلال النقص في عدد السعرات الحرارية أو النقص في البروتين أو في كليهما، ومع ذلك يمكن القول أن تكوين الغذاء في أغلب البلدان النامية وإن توفر بكميات كبيرة أحياناً فإن نوعيته في الغالب تؤدي إلى سوء التغذية حيث يتميز بالآتي:
نسبة غير متوازنة وعالية من الحبوب تتضمنها الوجبة الغذائية، هناك نقص في الأغذية البروتينية، نقص في الفيتامينات والمعادن. والتقدير المتفق عليه لمعدل الطاقة اللازمة لفرد متوسط النشاط هو 2500 ــ 2700 سعر حرارية يومياً، والبروتين بمعدل غرام لكل كيلوغرام من وزن الجسم، ومما يجدر ذكره أ، متوسط العالمي لكل من السعرات الحرارية والبروتين يفوق معدل حاجة الفرد، إلا أن هناك أكثر من 840 مليون جائع، في حين يستهلك الخمس الأغنى من سكان العالم 16 ضعف خمس الأفقر في العالم. وهذا يبين أنه ليس هنا نقص في توفير الغذاء بقدر ما يستدعي الأمر اهتماماً بمسائل التوزيع سواء على المستوى العالمي أو الوطني.
فمن هنا يستدعي الاهتمام بتحقيق التنمية البشرية الاهتمام بتوفير الأمن الغذائي لأفراد المجتمع خاصة في ضوء انعكاس آثاره الإيجابية على كل من التنمية البشرية والنمو الاقتصادي أيضاً، حيث يساهم إيجاباً في توفير صحة أفضل لأفراد المجتمع وزيادة قدرتهم على التعلم بشكل أفضل، إضافة إلى أن وجود قوى عاملة لا تعاني من سوء التغذية يساهم في زيادة الإنتاجية وبالتالي زيادة النمو الاقتصاديالعناية الصحية والتنمية البشرية.تعد العناية بصحة الفرد والمجتمع من الجوانب المهمة للتنمية البشرية، وتختلف في العادة طبيعة الرعايا الصحية والعلاج الطبي من مجتمع إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى، ففي حين نجد أن البلدان الفقيرة والنامية تعاني من مشاكل صحية ذات نمط معين خاص بها نتيجة للفقر وسوء الأوضاع البيئية والحياتية التي ترزح تحتها، نجد أن الدول الغنية والمتطورة تعاني من مشاكل صحية هي الأخرى ذات نمط آخر، فالدول الفقيرة تعاني الأمراض المزمنة والتي تتسبب في وفاة نسبة كبيرة من الأشخاص، حيث يموت نحو 17 مليون نسمة كل عام جراء الأمراض المعدية والمستعصية والطفيليات التي يمكن معالجتها كالإسهال والحصبة والملاريا والسل، أما أفراد الدول الغنية فيعانون من أمراض الدورة الدموية التي كثيراً ما تكون مرتبطة بالغذاء وأسلوب الحياة، ويلي ذلك الأمراض المستعصية. من هنا تكمن أهمية توفير الرعاية الصحية للفرد قبل الحاجة للعلاج الطبي فالرعاية الصحية تكلف أقل مما يكلف العلاج الطبي، فهي تكلف ما بين 500 ــ 600 دولاراً لإنقاذ حياة الإنسان عن طريق الرعاية الصحية الوقائية، أما تحصين الطفل ضد الأمراض الستة التي تؤدي إلى وفاتهم فلا يكلف إلا نصف دولار سنوياً، كما أن علاج الجفاف الناتج عن الإسهال لا يكلف إلا 10 سنتات فقط، بالمقابل نجد أن الرعاية الطبية للفرد تكلف مابين 500 ــ 5000 دولار حسب نوع المرض.
ويختلف الإنفاق على الصحة من دولة إلى أخرى، وذلك حسب أولوياتها ونوعية الأمراض التي تواجهها، فنجد مثلاً أن النسبة التي تنفقها الدول المتقدمة من ناتجها القومي الإجمالي مرتفعة بلغت عام 1990 في أمريكا 12.4% وفي كندا 9% وفي السويد 8.7%، مقابل 0.7% في جنوب آسيا مثلاً.
ونسبة الإنفاق المرتفعة للدول المتقدمة على الصحة بسبب مرض الايدز التي تعاني منه المجتمعات المتقدمة، حيث بلغ حجم الإنفاق العام على البحوث والتوعية المتصلة بالايدز في أمريكا مثلاً 900 مليون دولار عام 1988، وكانت تكاليف العناية بكل مريض من مرضى الايدز تتراوح بين 50000 و 500000 دولار سنوياً.
وتتمثل خطورة هذا المرض في أنه يتسبب بموت 2.5 مليون إنسان سنوياً، وقد راح ضحيته زهاء 12 مليون شخص منذ أن بدأ قبل 18 سنة وهو أكثر من ضعف من يموتون بالملاريا سنوياً والبالغ مليون شخص، وقد وصل عدد الإصابات بهذا المرض عام 1998 حوالي 34 مليون إصابة، وهناك 16000 إصابة يومياً وقدر أن تصل الإصابات إلى 40 مليون إصابة عام 2000.
وأضرار مرض الايدز ليس فقط على خفض متوسط العمر المتوقع وارتفاع تكاليف علاجه ولكن يتمثل الضرر الأكبر في أن معظم المصابين الذين يموتون نتيجة الإصابة به يكونون في أكثر سنوات عمرهم إنتاجاً.
أما بالنسبة للوضع الصحي في مناطق العالم المختلفة بشكل عام، ففي منتصف التسعينات من القرن الماضي بلغت نسبة سكان الدول النامية الذين تمتعوا بفرص الحصول على الخدمات الصحية 80%، مع أن نسبة 50% من السكان في جنوب الصحراء الأفريقية لا يتمتعون بهذه الفرص، وفي بلدان النامية كان هنالك 78 طبيب لكل 100000 شخص مقابل 345 لكل 100000 شخص في البلدان الصناعية كمتوسط للأعوام 1992 ــ 1995، في حين كان هناك طبيب لكل 5900 شخص عام 1960 في الدول النامية، والمؤشر المعتمد الذي يعكس هذا الوضع بشكل شامل والمستخدم في دليل التنمية البشرية هو العمر المتوقع.

ونستخلص من كل ما سبق أن للصحة دورا كبيرا في التنمية البشرية،كما أن للتنمية البشرية مردودا على الصحة،التي تعتبر حاجة أساسية للأفراد والمجتمعات،وتختلف المجتمعات في الاهتمام بأمور الرعاية الصحية بناء على إمكاناتها الاقتصادية وتطورها الصناعي والعلمي والاقتصادي.

Post a Comment

Previous Post Next Post