الحرمان البشري



1/نظرة على أدلة التنمية البشرية.
تقسم الأدلة المعتمدة لقياس التنمية البشرية لدى الأمم المتحدة  إلى قسمين،دليل التنمية البشرية ودليل الحرمان البشري،أما دليل التنمية البشرية فقد تم تركيبه في تقرير التنمية البشرية عام 1990، حيث ضم ثلاث مؤشرات هي: العمر المرتقب (كمؤشر للصحة) ومستوى الإلمام بالقراءة والكتابة (كمؤشر للتعليم)،والتحكم في الموارد بالشكل الذي  يكفل التمتع بحياة كريمة (كمؤشر للدخل)، ويبرر التقرير التركيز على عدد مختار من المتغيرات بسبب الافتقار للإحصاءات القابلة للمقارنة من جهة،ولعدم تعقيد الدليل وجعله مثيرا للحيرة من جهة أخرى، وتمثل القيم الدنيا والقيم العليا المتحققة للمؤشرات نقطتين على طرفي مقياس مدرج من الواحد إلى الصفر، لكل مقياس من مقاييس الحرمان، ثم يتحدد حساب متوسط المقاييس الثلاثة فيتم الحصول على متوسط دليل الحرمان البشري ومن ثم يطرح الرقم الناتج من الرقم الواحد، فنحصل على قيمة دليل التنمية البشرية للبد المعني.
وفي العام 1991 تم إدخال بعض التعديلات على الدليل ووسعت بعض المفاهيم، حيث تم إضافة متوسط عدد سنوات الدراسة، فضلاً عن مستوى الإلمام بالقراءة و الكتابة وأعتبرا مؤشراً للتعليم، وأعطي وزن للدخل وراء مستوى خط الفقر بدلاً من الوزن صفر.
ثم برزت فكرة دليل التنمية البشرية المرتبط بنوع الجنس نتيجة التفاوت الحاصل بين الجنسين في مجال التنمية البشرية، سواء كان التفاوت في العمر المتوقع عند الولادة أو نمط التميز من التفرقة في الأجور، فمن خلال هذا الدليل للتنمية البشرية المحسوب لكلا الجنسين يظهر هذا التفاوت حيث يتم حسابه بنفس الطريقة التي يحسب بها دليل التنمية البشرية، ومن ثم يتم إيجاد نسبة دليل الإناث إلى دليل الذكور، بعدها يضرب دليل التنمية البشرية لأي دولة مع دليل التنمية البشرية الشامل لها، وينعكس التفاوت في الفرق بين دليل التنمية البشرية الشامل، ودليل التنمية البشرية المرتبط بنوع الجنس، ويتضح من تقديرات هذا الدليل أن هناك فروقاً بسيطة جداً بين التشغيل و الأجور حيث تحصل المرأة على نصيب منخفض نسبياً من الدخل، وهذا يعني أنه ما من مجتمع يعامل نساءه كما يعامل رجاله تماماً.
ويحاول دليل التنمية البشرية المعدل حسب توزيع الدخل،إظهار حساسية الدليل الشامل تجاه العدالة في توزيع الدخل حيث يعتبر مؤشر متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي أكثر تضليلاً من المؤشرين الآخرين(الصحة و التعليم)، وذلك لأن نسبة تفاوت العمر تقل عن 1:2، بينما نسبة كبار السن الملمين بالقراءة و الكتابة أقل من 1:6 بين أعلى دولة و أدنى دولة، ولكن نسبة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد فيبلغ 1:55، ومثل هذا التفاوت يتكرر بالحدة نفسها داخل الدولة، وحتى يكون الدليل حساساً لتوزيع الدخل يتم ضرب مؤشر متوسط دخل الفرد الحقيقي للدولة بمعامل يشير إلى عدم المساواة في التوزيع.
كما يقيس دليل التنمية البشرية الشامل حالة التنمية البشرية عند نقطة معينة من الزمن، ولا يعطي إشارة إلى التقدم المحرز على مر الزمن، فإذا ما كان العمر المتوقع لسكان دولة ما في السنة الأولى (40 سنة) مثلاً و هو منتصف المسافة بين الحد الأدنى(20 سنة) والحد الأقصى(60 سنة)، وبعد عشر سنوات تحسن مستوى العمر المتوقع إلى (50 سنة) وهو المنتصف بين (30 سنة) والحد الأقصى (80 سنة) مثلاً، فإن هذا التحسن ينعكس سلباً على قيمة الدليل الرقمية، فلحساب التقدم في الدليل بمرور الوقت يتم تثبيت الحد الأدنى في السنة الأولى ويحسب نسبة للحد الأقصى في السنة العاشرة.
واستخدم مقياس التمكين المرتبط بنوع الجنس لقياس التمكين المبني للرجل و المرأة في المجالات السياسة و الاقتصادية، حيث تم اختيار ثلاثة متغيرات يعبر الأول عن المشاركة الاقتصادية وسلطة صنع القرارات الاقتصادية ويتمثل لحصة كل من الرجل والمرأة من المناصب الإدارية و التنظيمية والنسبة المؤوية لحصتهما من الأعمال المهنية و الفنية، أما المتغير الثاني فيعبر عنه بالنسبة المئوية لحصة كل من الرجل و المرأة من المقاعد النيابية، والمتغير الثالث تم اختياره للتعبير عن السيطرة على الموارد الاقتصادية حيث يتمثل بتنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير المعدل (بالدولار حسب تعادل القوة الشرائية) والخطوة الأخيرة يقسم مجموع المتغيرات الثلاث على ثلاثة، فنحصل على مقياس التمكين المرتبط بنوع الجنس.

2/دليل الحرمان البشري
يعكس دليل التنمية البشرية السابق المنظور الاندماجي لتقييم التنمية البشرية، حيث يركز على أوجه التقدم التي تحققها البلدان بكل فئاتها من أغنياء و فقراء، بينما يتم من خلال هذا الدليل الحكم على التنمية البشرية من المنظور الحرماني، أي الطريقة التي يحيا بها الفقراء والمحرومون في كل المجتمع المحلي.
وتأتي أهمية هذا الدليل لإظهار أن أوجه التقدم الكبير الذي يحققه الأغنياء لا يلغي أوجه الحرمان التي تتعرض له الفئات المحرومة ويقسم هذا الدليل إلى قسمين،دليل الفقر البشري(1)ودليل الفقر البشري(2)،وبالنسبة لدليل الفقر البشري (1)فقد قدم تقرير التنمية البشرية لعام 1997 رقماً قياسياً للفقر البشري بدلاً من قياس الفقر البشري على أساس الدخل فقط، حيث يقيس الفقر من منظور التنمية البشرية والذي يعني الحرمان من خيارات وفرص العيش حياة مقبولة، ويستخدم هذا الدليل مؤشرات تتعلق بأهم الأبعاد الأساسية للحرمان وهي: قصر العمر، وعدم توفر التعليم الأساسي، وعدم توفر فرص الحصول على الموارد العامة و الخاصة.
والمتغيرات المستخدمة في هذا الدليل هي: النسبة المئوية للسكان الذين لا يتوقع لهم أن يعيشوا حتى سن الأربعين، والنسبة المئوية للأمية بين البالغين، والنسبة المئوية للسكان الذين لا تتوافر لهم سبل الحصول على الخدمات الصحية والمياه المأمونة، والنسبة المئوية للأطفال ناقصي الوزن دون سن الخامسة، ويبنى هذا الدليل وفق الطريقة التي يبنى بها دليل التنمية البشرية السابق.

أما بالنسبة لدليل الفقر البشري (2)فقد أستحدث هذا الدليل المنفصل من أجل البلدان الصناعية، واستخدم للمرة الأولى في تقرير التنمية البشرية لعام 1998، وذلك بسبب تباين الأحوال الاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات الصناعية والنامية، ويستفيد هذا الدليل من توافر البيانات في الدول الصناعية، ويركز على الحرمان البشري من حيث الأبعاد الثلاثة ذاتها التي يركز عليها دليل الفقر البشري(1)، إلا أنه يضيف بعداً إضافياً آخر ألا و هو الاستبعاد الاجتماعي والمتغيرات هي: النسبة المئوية للأفراد الذين يرجح أن يموتوا قبل بلوغ سن الستين، والنسبة المئوية للأفراد الذين تعتبر قدرتهم على القراءة والكتابة أبعد ما تكون عما هو كافي (وهذا يعني الدرجة الكافية لتلبية أبسط مطالب المجتمع الحديث، كقراءة تعليمات على زجاجة دواء أو قراءة قصص الأطفال)، ونسبة الأفراد الذين يقل دخلهم الشخصي الذي يمكنهم التصرف فيه عن 50% من الدخل المتوسط.
والسبب في استخدام هذا الدليل لفقر الدخل بدلاً من مستوى المعيشة اللائق والمستخدم في دليل الفقر البشري(1) كما يبين التقرير هو أن:
1.   الغذاء ليس العنصر الأساسي الذي يلتهم الدخل في البلدان الصناعية.
2.   يمثل الدخل مقياساً للحرمان في البلدان الصناعية لتباين مفهوم السلع الأساسية.
3.  توافر البيانات.

3/أدلة ومؤشرات إضافية.

حاولت بعض التقارير إضافة مؤشر آخر للدلالة السابقة وهو بعد الحرية، إلا أنه تم إرجاء هذا الأمر لإجراء مزيد من البحث للمفهوم والعمل المنهجي فضلاً عن الحاجة لجمع البيانات حول هذا البعد ليمكن قياسه كمياً.
الأدلة السابقة تم بناؤها لقياس حال التنمية البشرية بين البلدان، وفي حالة بناء دليل خاص ببلد ما،يتم استخدام بيانات مكونات الدليل لكل فئة أو منطقة داخل البلد، بحيث تعامل كل فئة أو منطقة كبلد مستقل، حيث يتم حساب قيمة مؤشر العمر المتوقع عند الولادة في تلك المنطقة أو تلك الفئة، بالطريقة نفسها التي تحتسب بها في دليل التنمية البشرية، وكذلك يتم حساب قيمة مؤشر التعليم وقيمة مؤشر نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لكل منطقة أو لكل فئة وبنفس طريقة دليل التنمية البشرية أيضاً، ومن خلال قيمة المؤشرات الثلاثة نحصل على دليل التنمية البشرية لتلك المنطقة من البلد.
ثم يعدل دليل البلد الذي تم الحصول عليه بهذه الطريقة ليعادل قيمة دليل التنمية البشرية القومي الموجود في دليل التنمية البشرية الشامل، ومن ثم تعدل جميع أدلة الفئات أو المناطق تناسبياً لتصبح أدلة التنمية البشرية المفصلة قابلة للمقارنة بأدلة التنمية البشرية القومية الواردة في تقرير التنمية البشرية الشامل.
وتجدر الإشارة إلى أن دليل التنمية البشرية ودليل الحرمان البشري عند تفصيلهما حسب المناطق الريفية والمناطق الحضرية يبرزان أيضاً التفاوت بين الريف والحضر في التقدم والحرمان البشريين.
وفي حين يركز دليل التنمية البشرية على التقدم المحرز في مجتمع ما ككل، فإن دليل الحرمان البشري يركز على حالة و تقدم معظم الفئات المحرومة في أي مجتمع.

4/الخلاصة
قيمة هذه الأدلة والمؤشرات أنها تقيس التنمية البشرية،فتعطي معطيات كمية عن مستوى التنمية البشرية في كل بلد ،ومن ثم تيسر المقارنة إن بالنسبة للبلد نفسه،في فترات زمنية متعددة ،أو بينه والبلدان الأخرى،وفي ضوء ذلك يمكن معرفة التقدم الذي تسير فيه البلدان بالنسبة للتنمية البشرية.

*المحاضرة مستقاة بتصرف عن كتاب التنمية البشرية والنمو الاقتصادي للدكتور إبراهيم الدعمة،دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع،بيروت،لبنان،2002م.

Post a Comment

Previous Post Next Post