كتاب التبصير بالتجارة للجاحظ (150 ـ 255 هـ)
(القرن الثامن والتاسع الميلادي)
1-    الكتاب (التبصر بالتجارة):
كتاب التبصر بالتجارة هو أقدم كتاب فى تراث المسلمين العلمى فى الاقتصاد يحمل عنوان التجارة. لقد عاش مؤلفه فى الفترة من 150 ـ 255 هـ. بسبب هذا فإن لهذا الكتاب أهمية تاريخية. لايقف الأمر عند حد الأهمية التاريخية وإنما للكتاب أهمية موضوعية. الكتاب بعنوانه وبموضوعه فتح فرعاً من فروع المعرفة العلمية فى تراث المسلمين، وهى المعرفة المتعلقة بالفكر الاقتصادى. تمتد أهمية الكتاب إلى بعد آخر ذلك أن تراث المسلمين العلمى فى الاقتصاد به كتب حملت فى عنوانها مصطلح التجارة وهى كتب تالية فى التصنيف لكتاب التبصر بالتجارة للجاحظ وقد اقتدى مؤلفوها بالجاحظ عنواناً وموضوعاً.
2-    الموضوعات الاقتصادية التي كتب عنها الجاحظ:
كتب الجاحظ في كتاب التبصر بالتجارة عن موضوعات اقتصادية كثيرة؛ كتب عن بعض المعارف المتعلقة بالتجارة وبالصناعة وكتب أيضاً عن الثمن وعن الأرباح. من الموضوعات التي كتب عنها بتوسع التجارة فى السلع الكمالية.
3-    أمثلة لبعض آراء الجاحظ الاقتصادية
كتب عن الثمن ما يلي: "الموجود من كل شيء رخيص بوجدانه غال بفقدانه"، إذا مست الحاجة (ص 11). إن هذا يعنى أن الثمن يعمل عليه العرض والطلب. وقوله إذا مست الحاجة يشير إلى دور المنفعة فى العمل على طلب السلعة.
كتب أيضاً: "ما من شيء كثر إلا رخص ماخلا العقل فإنه كلما كثر غلا". إن هذا يعنى أن زيادة العرض تؤدى إلى رخص الأسعار. قوله: "ماخلا العقل فإنه كلما كثر غلا" يربط بنوع معين من الريـع وهو ريع المواهب([1]).
كتب عن بعض القواعد الاقتصادية الأخلاقية؛ ومنها: "إذا لم يرزق أحدكم بأرض فليستبدل بها غيرها". ومنها: "لا تشتروا ما ليس لكم إليه حاجة فيوشك أن تبيعوا ما لا تستغنون عنه"، ومنها "الدول تنتقل والأرزاق مقسومة فأجملوا في الطلب".
أعطى البيانات التالية عن سلع التبادل في عصره:
فارس    : تصدر الثياب والأدوية وماء الورد.
الأهواز  : تصدر السكر والحرير.
أصفهان  : تصدر العسل والفواكه والثياب والشراب من الفواكه.
الري     :  تصدر الأسلحة والثياب والفواكه.
دياوند    : تصدر الآلات المعدنية.
سمرقند  : تصدر الورق.
مصر    : تصدر الثياب والورق والفواكه وبعض الأحجار الكريمة.
أرض العرب: تصدر الخيل والإبل والنعام.
المغرب  : تصدر المنسوجات.
اليمن    : تصدر بعض الحيوانات واللبان والحناء وبعض الأحجار الكريمة.
4-    طبيعة آراء الجاحظ الاقتصادية:
من المهم التعرف على نوع الكتابة التى ساهم بها الجاحظ فى مجال الاقتصاد، إنه لم يكتب عن الفقه الاقتصادى وإنما كتب عن " الفكر " الاقتصادى. بهذا فإن مساهمته تكون داخلة فى هذا الكتاب الذى نقدمه عن تراث المسلمين العلمى فى الاقتصاد والذى نهتم فيه بعرض المساهمات الداخلة فى نطاق (الفكر) وليست المساهمات الداخلة فى نطاق (الفقه).
5-    تقويم آراء الجاحظ وريادته الاقتصادية:
أحد المداخل التى يفهم بها علم الاقتصاد أنه يرصد المتغيرات الاقتصادية ويعمل على تفسيرها. الجاحظ بكتابه التبصر بالتجارة قدم مساهمة من هذا النوع. الجاحظ بهذه المساهمة يعقد الريادة للمسلمين فى تأسيس علم الاقتصاد من المدخل المشار إليه وهو رصد المتغيرات الاقتصادية وتفسيرها.


([1]) ينسب الاقتصاديون الحديث عن ريع المواهب إلى الفرد مارشال وهو اقتصادى انجليزى ظهر فى أواخر القرن التاسع عشر.

Post a Comment

Previous Post Next Post