التنمية
البشرية المفهوم والتطور
1/التنمية
في مقاربتها البشرية.
جاء
في قاموس العرب النماء الزيادة،نمى ينمي نماء،أي زاد وكثر،وجاء في مقاييس اللغة
نمى المال أي زاد،وعليه فان التنمية تعني الزيادة والارتفاع فيما يراد،سواء أكانت
هذه الزيادة والارتفاع في أمر مادي قابل للقياس أم معنوي يمكن ملاحظته بالتأمل
والمقايسة،أما لفظة البشرية فهي مشتقة من البشر وهم الخلق،وهي تجري في الذكر
والأنثى،ويقصد به الناس عامة.
وعليه
يمكن لنا أن نفهم المقصود بالتنمية البشرية، ما له شأن بارتفاع الناس وتقدمهم، في
أي مجال يمكن لنا أن نتصوره.
لقد
كانت مقاربة التنمية خلال الخمسينات والستينات من القرن الماضي مقاربة اقتصادية
صرفه،لاعتقاد القائمين على قضايا التنمية أن هذا المدخل يمكن له تطوير الحياة
العامة للناس،غير أن عقد السبعينات والثمانينات عزز مقاربات لاختصاصات ومعارف أخرى
كالتاريخ والجغرافيا والحقوق وعلم الاجتماع وعلوم أخرى،وقد أدرك المختصون انه من
الممكن لدولة أن تشهد نموا سريعا في الجانب الاقتصادي لكنها تظل متخلفة،مما عزز
القناعة أن التنمية الاقتصادية لوحدها غير كافية للنهوض بالواقع البشري،،ومن هنا أتت
ضرورة إجراء مقاربات متعددة الاختصاصات
تأخذ في الحسبان الأبعاد الثقافية والاجتماعية للخروج من اختزال التنمية في
نمو الثروة المادية.
وفي
ضوء ذلك اختلفت طريقة التحليل للتنمية البشرية عن المناهج التقليدية المتبعة في
تحليل النمو الاقتصادي،فنمو الناتج القومي ينظر إليه على انه ضروري ،لكنه غير كاف
للتنمية البشرية،فقد تفتقر بعض المجتمعات إلى التقدم البشري رغم سرعة نمو الناتج
القومي الإجمالي أو ارتفاع دخل الفرد ما لم تتخذ بعض الخطوات الإضافية.
2/ مفهوم
التنمية البشرية
تطور
مفهوم التنمية خلال النصف الثاني من القرن الماضي،كما تطورت مؤشرات التنمية وتعددت
مكوناتها واهتماماتها من مجرد مؤشرات النمو الاقتصادي إلى حركة المؤشرات
الاجتماعية ومؤشرات الحاجات الأساسية ومن ثم مؤشرات التنمية المستدامة والتنمية
البشرية وأهداف الألفية الإنمائية.
وقد
استخدمت عدة تعابير للدلالة على مفهوم التنمية البشرية،منها تنمية العنصر
البشري،أو تنمية الرأسمال البشري،أو تنمية الموارد البشرية أو التنمية الاجتماعية
أو الإنسانية كما تعبر عنها بعض الكتابات العربية،وكان مفهوم التنمية البشرية
يختلف باختلاف التسميات المعتمدة.
لقد
أطلق عليها في الخمسينات من القرن الماضي بمسائل الرفاه الاجتماعي،وانتقل بعد ذلك
للتركيز على التعليم والتدريب ومن ثم إشباع الحاجات الأساسية،وأصبح اليوم يركز على تطوير القدرات البشرية وكذلك تمتع
البشر بقدراتهم المكتسبة في جو من الحرية السياسية واحترام حقوق الإنسان.
وقد
عرف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي(PNUD)
في أول تقرير أصدره حول التنمية البشرية عام 1990 هي:"عملية تهدف إلى زيادة
الخيارات المتاحة أمام الناس"،وهو كما يرى بول ستريتن(1994Paul
Streeten) يتضمن تحسين الظروف البشرية
وتوسيع خيارات الناس، والنظر إلى الكائنات البشرية كغايات بحد ذاتها، ووسائل إنتاج
أيضا، أما محبوب الحق فيصفه بأنه زيادة فرص الاختيار، وما الدخل إلا واحدا من هذه
الفرص وليس كل ما تنطوي عليه أنفسهم. أما
عثمان هاشم فيرى أن التنمية البشرية تقوم على أساس الاستخدام الأفضل للموارد
المتاحة في الدولة بشكل عادل يضمن استمرارية النمو...، ومن مظاهر هذه المهمة
العناية بالأمن الغذائي وتعميم خدمات الصحة والتعليم الأساسية في مناطق الدولة
المختلفة وتوفير فرص العمل المنتج.
أما إسماعيل
صبري فمفهومه عن التنمية البشرية يتكون من شطرين، شطر اقتصادي يتمثل في إنتاجية
العمل، وعمادها القوى البشرية عالية التأهيل، والشطر الآخر سياسي اجتماعي يتعلق
بتوفير الغذاء الكافي واللبس المناسب والسكن
اللائق والحرية والرعاية الصحية والسياسية واكتساب المعارف والمهارات وتبين قيم
العقل والعمل والكرامة الخ.
أما في
مكتب العمل العربي فيرى أن هذا المفهوم أصبح يتضمن التركيز على أنماط التفكير
والسلوك ونوعية مشاركة الجماهير في اتخاذ القرار والعلاقات الاجتماعية والعادات
والتقاليد، وثقافة الشعوب، وطرق وأساليب العمل والإنتاج، أي تعبئة الناس بهدف
زيادة قدراتهم على التحكم في مصائرهم وقدراتهم،وإذ يشير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي
إلى أن مفهوم التنمية البشرية فهو يعني تنمية الناس، فتنمية الناس معناها
الاستثمار في قدرات البشر، سواء في التعليم أو الصحة أو المهارات حتى يمكنهم العمل
على نحو منتج وخلاق، والتنمية من اجل الناس معناها كفالة توزيع ثمار النمو
الاقتصادي الذي يحققوه توزيعا واسع النطاق وعادلا، والتنمية من اجل الناس أي إعطاء
كل امرئ فرصة المشاركة فيها.
وقد
تطور هذا المفهوم عبر تقارير التنمية
البشرية الصادرة عن البرنامج وذلك بتفصيل المعنى السابق وإضافة بعد جديد للمفهوم
وهو بعد الاستدامة.
مما
سبق تمت صياغة المفهوم على النحو التالي: أن التنمية البشرية هي عملية تنموية
مستدامة تهدف إلى الاستثمار في قدرات البشر من خلال تحسين مستواهم التعليمي والصحي والغذائي بهدف تحسين قدراتهم ومهاراتهم
لزيادة الإنتاجية وتحقيق النمو الاقتصادي وتوزيع عوائده على أفراد المجتمع على نحو
عادل يضمن رفع مستوى رفاهيتهم وتمكينهم من المشاركة في هذه العملية التنموية في إطار
الموارد الاقتصادية المتاحة وفي ظل السياسات المعتمدة في هذا الشأن
وفي
ضوء ذلك يرى المهتمون تركز الخيارات الأساسية في ثلاثة :وهي أن يحي الناس حياة
طويلة خالية من العلل،وان يكتسبوا المعرفة،وان يحصلوا على الموارد اللازمة لتحقيق
مستوى حياة كريمة،وفي حالة عدم توفر هذه الحاجات الأساسية فان الخيارات الأخرى
ستكون بعيدة المنال.
ويمكن
القول أن التنمية البشرية بهذا المفهوم،تختلف عن نظريات تكوين رأس المال البشري
وتنمية الموارد البشرية،حيث أن هذه النظريات تتوجه إلى الناس باعتبارهم وسيلة وليس
غاية،ولا تهتم هذه النظريات إلا بجانب العرض،أي في اعتبار البشر أدوات لازمة
لعملية إنتاج السلع،بينما تنظر التنمية البشرية أن البشر هم أكثر من عوامل الإنتاج
نشاطا لكنهم ليسوا سلعا إنتاجية تستخدم لإنتاج سلع أخرى،فهم الهدف الأسمى للعملية
الإنتاجية والمنتفعون بها.
كما
تختلف التنمية البشرية عن مناهج الرفاهية البشرية التي تنظر إلى الناس باعتبارهم
منتفعين من عملية التنمية أكثر من كونهم مشاركين فيها، وهذه المناهج تهتم بسياسات
التوزيع أكثر مما تهتم بهياكل الإنتاج.
كما
أنها تختلف عن منهج الاحتياجات الأساسية التي تركز على مجموعة من السلع والخدمات
التي تحتاجها الفئات السكانية المحرومة،مثل الغذاء والمأوى والملبس.
لقد
قيل أن للتنمية البشرية جانبين،يتمثل الأول في تشكيل القدرات البشرية،مثل تحسين
مستوى الصحة والمعرفة والمهارات،والثاني انتفاع الناس بقدراتهم المكتسبة إما
للتمتع بوقت الفراغ،أو في الأغراض
الإنتاجية،أو في الشئون الثقافية والاجتماعية والسياسية،وسوف تفقد برامج التنمية
البشرية غاياتها حين لا يتم التوازن بين هذين الجانبين.
لكن
مفهوم التنمية البشرية تطور إلى ما هو ابعد من ذلك،في ضوء التحديات التي برزت في
سبيل الوصول إليها في مختلف دول العالم،ما حدا بمناقشة الأمر على مستوى أممي في
المؤتمر الذي عقدته الأمم المتحدة في سنة 2000 لملاحظة التفاوتات الصارخة القائمة في العالم بالنسبة للتنمية
البشرية،وصاغوا إعلانا يعرف بإعلان الألفية ويتكون من ثمانية أهداف يلزم تحقيقها
بحلول 2015 من اجل التقدم بالتنمية
البشرية،وقد حددت سنة 2015 بالتاريخ الأقصى لبلوغ كل هدف من هذه الأهداف وحددت سنة
1990 بالسنة المرجعية لقياس التقدم.
والأهداف
الثمانية هي كما يلي:
1/القضاء
على الفقر المدقع وعلى الجوع.
2/تأمين
التعليم الابتدائي للجميع.
3/تطوير
المساواة بين الجنسين واستقلالية النساء.
4/تخفيض
وفيات الرضع.
5/تحسين
صحة الأم.
6/مكافحة
فيروس فقدان المناعة.
7/تأمين
استدامة الموارد البيئية.
8/إنشاء
الشراكة من أجل التنمية.
3/دليل
التنمية البشرية
وضعت
الأمم المتحدة دليلا للتنمية البشرية في العام 1990، يقاس من خلاله مستوى التنمية
البشرية في كل بلد سنويا، وهو يتركب من ثلاثة مكونات تتمثل في الصحة والتعليم والدخل،
وأربعة مؤشرات تابعة لهذه المكونات كما يلي:
1/المكونة
الصحية،ومؤشرها العمر المتوقع عند الولادة.
2/مكونة
التعليم ولها مؤشران، الأول، وهو معرفة القراءة والكتابة. والثاني معدل التمدرس
للمراحل الدراسية الثلاث.
3/مكونة
الدخل،ومؤشرها الدخل المحلي الإجمالي للفرد.
وقد
جاءت هذه المبادرة بوضع الدليل السنوي للتنمية البشرية،بعد أن أظهرت التجارب منذ
السبعينات من القرن الماضي،أن النمو الاقتصادي المرتفع في بعض البلدان النامية لم
يقلل من أعداد الفقراء بل العكس تماما في بعضها،ولم يكن قياس مؤشر نصيب الفرد من الناتج العام
في الدلالة على التنمية وعلى توزيع الثروة بين السكان.
غير
أن الدليل التركيبي للتنمية البشرية بمكوناته الثلاثة يوفر خلاصة أفضل وشبه
متكاملة عن مستوى التنمية بمختلف البلدان وهو ما لا نحصل عليه من خلال قياس نصيب
الفرد من الدخل العام فقط.
وإزاء
النقد الذي وجه إلى هذا الدليل حول عدم شموله لكافة أبعاد التنمية
الإنسانية(البشرية)قدمت مقترحات بتعديله،واستهدف إعلان الأمم المتحدة للألفية الصادر سنة 2000 تخفيف القيود المفروضة على
قدرة الناس في الاختيار عن طريق معالجة الدخول غير الكافية،والجوع الواسع
الانتشار،وعدم المساواة بين الجنسين،والتدهور البيئي والافتقار إلى التعليم والرعاية الصحية والمياه النظيفة،وان لم يهتم
بتوسيع مشاركة الناس في القرارات التي تؤثر على حياتهم أو تزيد حرياتهم المدنية
والسياسية.
إن
دليل التنمية البشرية يبرز
Post a Comment