دور
الموارد البشرية في التنمية الاقتصادية
1/مفهوم
الموارد البشرية
يعتبر
العنصر البشري والعنصر المادي والعنصر التنظيمي أهم مقومات الإنتاج الأساسية
اللازمة لتحقيق الأهداف،سواء على مستوى المنظمات أو على المستوى القومي،غير أن
العنصر البشري،وهو مفرد الموارد البشرية هو الذي يتحكم في العنصرين الآخرين
ويحركهما في الاتجاه الذي يزيد الإنتاج ويحقق الأهداف بأعلى كفاية إنتاجية
ممكنة،وكلما ارتفعت كفاءة الموارد البشرية أصبح استخدام عناصر الإنتاج الأخرى حتى
ولو كانت قليلة أو نادرة،أصبح استخدامها استخداما امثلا،وعلى العكس من ذلك فان
انخفاض كفاءة الموارد البشرية يسيء استخدام عناصر الإنتاج الأخرى،ويهدرها حتى لو
كانت متوافرة ومتاحة.
وإذا
كان واقع الدول المتقدمة يعكس الصورة الأولى التي تكون فيها الموارد البشرية عالية
الكفاءة والخبرة، فان واقع الدول المتخلفة يعكس الصورة الثانية حين تكون الكفاءة
متدنية.
في ضوء
ذلك يمكن فهم الموارد البشرية،بأنها العناصر البشرية المساهمة في الإنتاج إن على
مستوى المنظمات أو البلدان،وأنها تعد أهم عناصر الإنتاج على الإطلاق،الأمر الذي
يفرض على المنظمات والبلدان ايلاءها الاهتمام الأكبر في سبيل تحقيق إنتاجية أعلى
وكفاءة أفضل للخدمات والمنتجات والأفكار،ما يؤدي إلى تحقيق معدلات أعلى في الناتج
النهائي للمنظمات،والنمو الاقتصادي للبلدان.
وهذا
المفهوم للموارد البشرية، هو ما دفع المنظمات والبلدان لاعتماد إدارات خاصة لهذه
الموارد، تقوم بنشاط التخطيط والتنظيم والتوجيه والمراقبة لهذه الموارد، بغية
الاستخدام الأكفأ والفعال لها على كافة المستويات.
ومع
ظهور قوة المعرفة في القرن الحادي والعشرين وكيفية استخدامها في البلدان والمنظمات
ذات القاعدة المعرفية،وازدياد أهمية عمال المعرفة في تكوين الثروة والقوة
معا،أصبحت تنمية الموارد البشرية عاملا مهما في تعزيز القدرات الإنتاجية
والتنافسية للمنظمات والأمم،وعليه تم ايلاء موضوع استقطابها وتوظيفها والمحافظة
عليها وتدريبها وتحفيزها العناية الأكبر،كما تم اعتبار مدخل محاسبة الموارد
البشرية،احد مداخل حساب الموجودات المعرفية بالإضافة إلى مداخل أخرى،كمدخل الملكية
الفكرية والتعلم التنظيمي وغيرها.
2/تأثير
متبادل.
هناك
عدة صور يمكن تصورها للعلاقة بين مفهوم الموارد البشرية ومفهوم التنمية
الاقتصادية، فقد لا تترب أي علاقة بينهما، وقد يكون تأثير الأول في الثاني، وقد
يكون تأثير الثاني في الأول،وقد يكون التأثير متبادلا.
والصورة
الأخيرة هي الأكثر وضوحا من خلال طبيعة كل واحد منهما،ومن خلال دور النمو
الاقتصادي بالنسبة لهما معا،إذ أن التنمية الاقتصادية تعتمد بدرجة كبيرة على النمو
الاقتصادي السنوي لتطوير مشاريعها وبرامجها المتصلة بكافة قطاعات المجتمع،وتراجع
النمو الاقتصادي،حتى في حالة التغيرات الهيكلية في أنشطة الاقتصاد،كالتركيز على
القطاع الصناعي مثلا والتقليل من القطاع الزراعي أو التحول نحو الخدمات على حساب
الصناعة أو الزراعة،لن يجعل للتغيرات الهيكلية لوحدها إمكانية الدفع باتجاه
المشاريع التي تساهم في تحسين نوع الحياة لدى الناس،إذ لابد من ارتفاع نسبة النمو
الاقتصادي السنوي،سيما إذا ما قيس ذلك مع معدلات ارتفاع النمو السكاني التلقائي.
وعليه
فان النمو الاقتصادي يصبح عاملا مشتركا بين الموارد البشرية والتنمية
الاقتصادية،فهي لا تتحقق إلا من خلال ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي،والنمو
الاقتصادي لا يتحقق إلا من خلال موارد بشرية تساهم في رفع إنتاجية القطاع أو
النشاط الاقتصادي الذي تم التحول إليه،في خطط التنمية الاقتصادية،أو توفر الأعداد
الكافية من الموارد البشرية لتغطية كافة الأنشطة الاقتصادية في كل القطاعات،حين
تتخذ الدولة برنامج التطوير المتكامل.
هذا من
ناحية ومن ناحية أخرى فان تراجع معدل النمو الاقتصادي مع الارتفاع التلقائي في
معدلات النمو السكاني،سوف يقلل من تحسن مستويات المعيشة ونوعية الحياة بالنسبة
لجميع السكان،وهو بدوره ما سينعكس على الموارد البشرية التي يفترض أن تتلقى
اهتماما خاصا من حيث التدريب والتأهيل والتخصص،وفي المحصلة النهائية ستتراجع برامج
التنمية الاقتصادية.
وعليه
يصبح الاهتمام برفع معدلات النمو الاقتصادي مهما لكلا الأمرين،الموارد البشرية
والتنمية الاقتصادية،وربما هذا ما جعل الاهتمام يتوجه إلى رفع معدلات النمو
الاقتصادي لدى بعض البلدان باعتباره المقدمة الضرورية لتنمية الموارد البشرية،حيث
أن قطاع الصحة والتعليم ورفع الدخول،وهي التي تساهم بشكل عام في رفع كفاءة الموارد
البشرية،يشكل إنفاق هذه القطاعات نسبة عالية من إجمالي الدخل القومي العام،وفي ذات
الوقت تعتبر هي المؤشرات التي من خلالها يمكن قياس الاهتمام المجتمعي في خطط
التنمية الاقتصادية.
ولعنا
نشعر بالدوران في حلقة واحدة في ضوء التأثير المتبادل بين الموارد البشرية
والتنمية الاقتصادية،وهذا ما يؤكد أن الاهتمام بالموارد البشرية سيؤدي بشكل تلقائي
لتحقيق برامج التنمية الاقتصادية وان تحقيق هذه البرامج سوف ينعكس على تحسين
وتطوير كفاءة الموارد البشرية.
وهنا
تبرز وجهتا نظر بالنسبة لتأهيل وإعداد الموارد البشرية،واحدة يتبناها البنك الدولي
في دعمه لبرامج التنمية الاقتصادية للدول التي تعتمد على إقراضه ودعمه ،حيث انه
يفرض أن تكون التغطية للتعليم الأساسي فقط،أما التعليم التخصصي،فيرى أن الدولة غير
معنية به،وان تكلفته الاقتصادية اكبر من عوائده،فتترك برامجه للمنظمات والشركات
المعنية كل في مجاله،ووجهة نظر أخرى ترى أن الدولة معنية بتأهيل ودعم التعليم
والتدريب التخصصي وان تطوير الموارد البشرية،سيعود بآثار اقتصادية عامة على
الدولة،وهو ما اتبعته اليابان حيث تتبنى الشركات التوظيف حتى نهاية العمر،مما يجعل
الموارد البشرية عندها جزء من أصولها الاقتصادية،وهو في المحصلة النهائية يعتبر
أصولا اقتصادية للمجتمع كله.
وهي
وجهة النظر التي اعتمدتها دول شرق أسيا،وجاءت بنتائج مبهرة كشفت عن أهمية ودور
الموارد البشرية في التنمية الاقتصادية،وهذا ما سنلقي الضوء عليه في الفقرة التالية،وهو
ما يؤكد على ضرورة إعطاء راس المال البشري اهتماما اكبر من حيث الاستثمار مقارنة
بالأصول المنتجة الأخرى،سيما مع ما يتميز به هذا الأصل من كونه هدفا ووسيلة في
كافة مشاريع التنمية وبالأخص التنمية الاقتصادية،وهو غالبا ما يتميز بالوفرة في
البلدان النامية،على عكس الأصول المنتجة الأخرى التي تعاني بعض البلدان الندرة
فيها.
3/النموذج
الشرق آسيوي
يعزى
النمو المعجزة للنمور الشرق آسيوية (اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان)إلى أسباب
عدة احدها الاستثمار المكثف الذي قامت به هذه الدول في التعليم وفي راس المال
البشري خلال فترة اللحاق بركب النمو،ويتوافر توافق عام على أن البلدان التي تتمتع
بالمخزون الأكبر من راس المال البشري تتمتع بقوة عاملة أكثر كفاءة وهي بالتالي
أكثر ازدهارا،وهو ما حصل لهذه البلدان،حتى قيل من خلال تجاربهم، أن راس المال
البشري للأمة لا راس مالها المادي ولا مواردها الطبيعية هو الذي يحدد خطى التنمية
الاجتماعية والاقتصادية ونوعيتها.
وتوفر
تجربة شرق أسيا في هذا السياق ما يدلل على دور الموارد البشرية في النمو الاقتصادي
ومن ثم التنمية الاقتصادية،في معارضة منها لنصيحة السياسة التقليدية والنظرية
النيوكلاسيكية،عبر تشديدها على الاستثمار في التعليم وعلى تكوين راس المال البشري.
وعلى
العكس من تقارير البنك الدولي الذي يعتمد فلسفة معادية لدور الدولة،وترك مسألة
التعليم فوق الأساسي والتدريب والتخصص لغيرها،وصل دور الدولة في هذا النموذج لدرجة
منع مؤسسات التعليم والتدريب من أن تعتمد سياسات مستقلة في هذا الميدان،وقد عد
تدخل الدولة في سنغافورة وتايوان وكوريا الجنوبية دعما استراتيجيا مفيدا للدول في
عملية التدريب على المهارات بالنسبة للموارد البشرية.
كما
كان للشركات في اليابان دافع قوي إضافي لتوفير تدريب وتعليم مستمرين على كافة
المستويات لان عملية التوظيف تعتبر عقدا مدى الحياة بين الموظف والشركة،وكان
القطاع الخاص في كوريا الجنوبية وتايوان اقل استعدادا لتوفير التعليم والتدريب
المهني بمفرده واعتمد أكثر على تدخل الدولة.
وأعاد
الاستعمار الياباني التشديد عل التعليم المدرسي في كوريا الجنوبية وتايوان،ومنذ
الحرب العالمية الثانية أصبح النظام التربوي في البلدان الثلاثة جميعها موجها نحو
إنتاج اختصاصيين لتلبية احتياجات السوق(مبطلا بذلك حالات عدم ملاءمة مخرجات النظام
التربوي مع هذه الاحتياجات)ونتيجة لذلك،لا تعاني هذه البلدان من وجود أشخاص ذوي
مستويات تعليم جيدة لكنهم عاطلون عن العمل،أو من وجود اختصاصيين غير منتجين على
المستوى الاقتصادي،كما هو الحال في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وقد
أكدت هذه التجارب انه لا يمكن تحقيق التنافسية الدولية على أساس توصية البنك
الدولي بترك التدريب المهني على عاتق القطاع الخاص،بل إن تدخل الدولة يعد ضروريا
في سبيل رفع كفاءة الموارد البشرية،وان ذلك ينعكس على النمو الاقتصادي والتنمية
الاقتصادية.
لقد
كمنت إستراتيجية التنمية التي اعتمدتها هذه الدول في التركيز ،في المرحلة
الأولى،على النمو المستند إلى اليد العاملة المكثفة الذي يعزز تصدير المنتجات
المستندة إلى اليد العاملة المكثفة إلى الأسواق المفتوحة في الغرب،ولقد كان تحقيق
هذه الإستراتيجية اقل اعتمادا على المقادير الوافرة من رؤوس الأموال أو من القوة
العاملة الكفء،ولقد تم نقل المتطلبات التكنولوجية بطريقة طوعية من الدول الغربية،وبالتالي
بدأت هذه الدول اللحاق بركب النمو مع منتجات مستندة إلى اليد العاملة المكثفة ومع
متطلبات تكنولوجية أو مهارات قليلة،وقد أدى النمو الذي حصل إلى توفير الموارد
المالية لإطلاق سياسات تربوية عامة واسعة النطاق واستدامتها.
وعندما
توسع تراكم راس المال البشري على كل من المستوين الخطي والنوعي،امتلكت القوة
البشرية المهارات الضرورية لإنتاج منتجات ذات قيمة مضافة مرتفعة مع متطلبات
تكنولوجية أكثر،وتمكنت هذه الاقتصادات من صعود السلم التقني،وعلى طول هذه المراحل
استمرت الأسواق الخارجية في فتح أبوابها أمام هذه البلدان.
وتزيد
هذه التجربة في إبداعها من خلال ما قدمته من ترابط وتعاون فيما بين دول هذه
المنطقة،دفع بكل المنطقة للتقدم ولشعوبها بالرقي من خلال ما سمي باستراتيجيات
الإوز الطائرة،حيث تضافرت جهود سكان تلك المناطق مع بعضهم،يرفع فيها الأقوى للقوي
والقوي الضعيف،حتى أصبحوا في موقع متقدم
بالنسبة للتنمية الاقتصادية والتنمية الشاملة والمستدامة.
4/من
الهدي الديني
من
المفيد هنا أن نتوقف أمام ما يرشد إليه الهدي الديني في الإسلام بالنسبة للموارد
البشرية،وما لذلك من انعكاس على التنمية الاقتصادية،حيث أن الإسلام ينظر إلى
الإنسان بشكل عام بنظرة التكريم،ويجعله في موقع المخلوق الذي سخرت كافة الأشياء من
اجله،فعز من قائل يقول:"ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم
على كثير مما خلقنا تفضيلا" ويقول أيضا:"و سخر لكم ما في السماوات وما
في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون"
وهذا
التكريم من ناحية والتسخير من ناحية أخرى يجعلان من السكان محل العناية القصوى
بالنسبة لسياسة أي بلد وقيمة عليا كأهداف ووسائل في البرامج التنموية في أي
مجال،وهو ما يلفت النظر أيضا لجعل الموارد البشرية في محل العناية والأولوية
بالنسبة لتثمير عناصر الإنتاج،وان التوجه إلى استثمار الموارد البشرية سيعود
بالنفع والمردود الايجابي على التنمية الاقتصادية والتنمية الشاملة والدائمة بأفضل
ما يمكن توقعه بالنسبة للعناصر الأخرى.
5/الخاتمة
وخاتمة
القول بالنسبة للعلاقة بين الموارد البشرية والتنمية الاقتصادية،أن خطط وبرامج
التنمية الاقتصادية يفترض فيها أن تعطي الأولوية لتنمية وتطوير وبناء كفاءات
الموارد البشرية،أو على اقل تقدير أن لا تهمل هذا الجانب لصالح العوامل الأخرى،وان
العمل على تطوير هذه الموارد تأهيلا وتدريبا وتخصصا واستثمارا سوف يفضي بشكل
تلقائي لإنجاح خطط التنمية الاقتصادية ويرفع من رصيد تحقيق أهدافها.
Post a Comment