من الإدارة إلى القيادة:
الفرق كبير بين إدارة المؤسسة وقيادتها؛ فالإدارة تعني تسيير المؤسسة بأفرادها وأنظمتها بموجب تعليمات وأوامر أو قرارات صادرة من المدير في الغالب، ولها نظام عمل محدد مسبقاً يمشي عليه العاملون.. وبالتالي فإن الإدارة قد تتضمن أحياناً الروتين، والانغلاق، والفوقية، والصرامة، وغير ذلك من مظاهر الضبط والتقنية، وبالتالي فهي تتمركز على الأبدان والطاقات العضلية والمكننة في الإنجاز - في الغالب-.
بينما القيادة تختلف عن ذلك لأنها تعني: إدارة البنية الهيكلية المتكاملة للمؤسسة والتفاعل بين أقسامها وعناصرها روحياً وعاطفياً وفكرياً لتحقيق الأهداف المرسومة، آخذة بالاعتبار واقعها والبيئة المحيطة بها ورضا أفرادها العاملين فيها، وأولئك الذين يقفون خارجها من الذين ينظرون إليها بعين الاعتبار والتقدير.. أو المنافسين الذين يسابقونها في ميادين العمل.. وبالتالي فهي تتمركز على الفكر والطاقة الروحية للأفراد والنظام الأسري في الارتباطات والتعاون والمحبة المتبادلة بين الجميع.. ومن الواضح أن أي تجمع بشري يحتاج من أجل دوام سير عمله وبقائه آمناً وسعيداً إلى قيادة، أكثر من حاجته إلى الإدارة، لأن طموحات الإنسان قد لا يلبيها المدير بل يلبيها القائد الذي يسير بالأعمال وينشطها ويطورها باستمرار.. من هنا ينبغي أن نفكر دائماً في أن نجعل من مؤسساتنا غرف قيادة وتوجيه وترشيد لا دوائر ولا إدارات.. حتى تكون في القمة وتحظى باحترام الجميع وتستطيع أن تدعي لنفسها أنها حققت شيئاً في الحياة الإنسانية..
مكونات القيادة الإدارية:
وهي عبارة عن جملة من العناصر من شأنها أن تجعل من المدير قائداً له من التأثير الفكري والروحي والإداري أكثر من غيره بحيث يستجيب له الأفراد طوعاً وعن قناعة قبل المسؤولية والمنصب والحق والواجب.
وأبرز المكونات القيادية ما يلي:
(1) السلطة: ونعني بها المكانة وحق القيادة والقدرة على التأثير، وبعبارة موجزة هي قدرة إعطاء الأوامر والتوجيهات إلى المرؤوسين للتأثير عليهم -حسب اختلاف المفاهيم الإدارية- فإن الإدارة الوظيفية تعتمد في تأثيرها على الآخرين على القرارات والأوامر الصادرة من فوق وحب الثواب وتجنب العقاب المتحفزة في كل فرد. بينما الإدارة الرائدة تعتمد على التوجيه والترشيد والقناعات الناشئة عن تحاور الرؤساء ومشاورة العاملين في القرارات من فوق، والشعور بالمحبة والمسؤولية والهدفية التي تعتمل في نفوس الأفراد. وكيف كان؛ فإن القيادة الإدارية تقوم على جملة من الأسس لا تتحقق من دونها وهي كالتالي:
أ- الدور الوظيفي أو الاجتماعي الذي يحتله المدير.
ب- المعرفة والخبروية والحكمة التي يحملها المدير بين طيات نفسه ولمسات يده.
ج- قوة الشخصية وخصال العظمة والنفوذ الذي يتمتع به. وقد يرى البعض أن المال والقدرة على الدفع هي نقطة جوهرية أخرى في القدرة على التأثير وهذا قد يصح في بعض الأحيان، إلا أنه لا يشكل لنا قيادة إدارية يستجيب لها الأفراد طواعية وعن رغبة وقناعة - في الغالب-، كما لا يحقق لنا أعمالاً متماسكة ودائمة وآثاراً باقية.. ولذا حصرنا الخصوصيات القيادية بالثلاثة المذكورة لأنها الأقوى تأثيراً بالفعل والتي تصنع الشخصية القيادية بمعناها الفاعل والمؤثر ولعل الرسم البياني التالي يوضح الأمر أكثر.
ولعلّ من المناسب الخوض ببعض التفاصيل المرتبطة بالخصوصيات المذكورة:
الأولى: السلطة القائمة على الدور الوظيفي أو الاجتماعي:
وهي سلطة نابعة من قوة الدور الذي يؤديه المدير، وفي الدوائر الرسمية تنشأ غالباً من مركز العمل الوظيفي القائم على الترتيب الهرمي في السلطات، ويعتبر المركز الوظيفي هو الذي يمنح السلطة ويعطي الدور الفاعل للقائد المدير، بخلاف المؤسسات الاجتماعية والثقافية في الغالب، فإنها تنشأ من مدى وأهمية الدور الذي يؤديه المدير؛ فقد نجد من هو أقل مركزاً يملك تأثيراً أكبر ممن هو أقوى منه، وممارسة هذه السلطة تنشأ من حق الرئيس في مخاطبة مرؤوسيه بما يلي:
- ما يجب عمله، أي تحديد الوظيفة.
- في أي وقت ينفّذ والى أي وقت ينتهي، أي تعيين المبتدأ والمنتهى.
- بأية طريقة ينجز، أي كيفية التنفيذ.
و أنت ترى أن كل شيء في هذه الإدارة يعود إلى المدير.. وهنا تكمن النقطة الجوهرية بين المدير الناجح أو الفاشل، من الآخر الذي هو على درجات أكبر من النجاح؛ ففي الوقت الذي يحصر الأول السلطات والقرارات بيده ولا يشرك فيها أحداً من مرؤوسيه وأصحابه، يوزع الثاني الأدوار ويشرك الآخرين بقراره ويعدهم مشاورين له ومساعدين حقيقيين، لا آلات صماء عليها الطاعة وحسب؛ لذلك فإن النجاح في الأول ينحصر بقوة شخصية المدير ومدى أهمية وشدة مراقبته للأعمال، وبالتالي فإن الفخر يعود إليه أولاً وآخراً في الانتصارات كما أن الفشل رهين آرائه وقراراته.. هذا ويمارس المدير الوظيفي سلطاته -في الغالب- حسب المراحل التالية:
التفكير والتخطيط - إعطاء الأوامر - تعيين الوظائف وكيفية الإنجاز - مراقبة التنفيذ بشكل متواصل - وربما فرض عقوبات إذا لم تنفذ الأدوار بشكل جيد وكذا المثّوبات في الإنجاز الجيد. بينما الثاني يجعل من العاملين فريقاً ومن العمل ماكينة يشترك في تحريكها الجميع والكل له دور في تفعيلها وتنشيطها كما يحظى ببعض السلطة، كما وله قسط من الفخر والنجاح.. وطريقة ممارسة السلطة يوضحها الرسم التالي:
وأكثر ما يتجلى هذا الأسلوب في المؤسسات الاجتماعية الناجحة، وتتجلى أهميته ودوره الكبير في تحقيق الانتصارات في أوقات الأزمات والمشاكل أو التعرض لصدمات كبرى، كما هو ملحوظ في المؤسسات التي تقوم بإنقاذ شعب من الاستبداد أو مقاومة غزو خارجي أو انتشال الناس من الفتن الداخلية. وتعمل بعض الحكومات المنفتحة على إقامة جبهات مشتركة تضم المعارضة والسلطة لمواجهة الأخطار أو التخطيط للبناء، كما هو ملحوظ في العديد من الدول الحرة، بينما نجد الأمر معكوساً في الدول المستبدة التي لا يعطي الحاكم فيها حق الرأي والتخطيط والتنفيذ لغيره، فيعرض بلده وشعبه إلى الدمار والتراجع في مختلف المجالات.. وهذا كما ينطبق على الحكومات والأنظمة، ينطبق أيضاً على سائر المنظمات والمؤسسات، صغيرة أو كبيرة وفي أي صعيد ومعترك..
الثانية: السلطة القائمة على الخبرة والمعرفة:
وهي سلطة الخبير أو العارف المحنك، ويسميها البعض سلطة المعرفة والحكمة؛ لأنها تقوم على حق أن يكون صاحب السلطة مستشاراً أو خاضعاً لفضيلة المعرفة التي يمتلكها، وهي في الحقيقة سلطة العلم؛ فإن من الواضح أن العلم وتجاربه يفرض نفسه على ميادين الحياة كما يهيمن بسلطته على عقول البشر وأرواحهم. وكل إنسان بطبعه الأولي يستسلم أمام العالِم العارف في مجاله. ومن هنا نشأت النظرية الإدارية القائمة على التخصص واعتبرت أن الأنظمة والقوانين والمعرفة هي التي تمنح القائد الإداري سلطاته والقدرة على التأثير.. وتعد السلطة المعرفية من أهم المعايير التي تقود المؤسسات إلى النجاح؛ لذا ينبغي توفرها في جناحي العمل؛ أي المدراء والعاملين.. وهي ضرورية جداً لسير الهيكل العام في المؤسسة، لأنها تشكل - مبدئياً - الاستعداد لتقويم الأفراد تبعاً لخبرتهم وكفاءتهم سواء كانوا رؤساء أو منفذين؛ لذلك فإنها تقوم على القناعة والاستجابة المنطقية للقرار، أو التوجيه الناشئ من أهله الذين يمتلكون خبرة في مجالهم. وبالتالي فإن الطابع الرئيس لهذه السلطة هو العقلانية لأنها مبنية على الاعتقاد بحقائق العلم وشرعية الرئيس العارف بمعاييره وطرقه. ولعل من الأمثلة التي توضح ما نريده، ما يلي:
- الطبيب في المستشفى والمهندس في المعمل والضابط في المعسكر. وهنا تكمن أهمية التربية والتعليم في المؤسسات التي تطمح إلى النجاح؛ إذ لا يكفي أن يكون المدير مضطلعاً بمهامه ما لم يصنع لنفسه جيلاً من المضطلعين في مختلف المجالات، ليقود مؤسسته بطريقة علمية ويضمن لها البقاء والاستمرار والنجاح لوجود ما يكفي من الطاقات الخبيرة في الإنجاز.. وهذا لا يتحقق إلا بوضع خطة للتربية والعمل عليها جنباً إلى جنب سائر الأعمال والوظائف، ثم تعضيدها بخطوات عملية في هذا السبيل كتفويض الأدوار وتوزيع السلطات وفسح المجال للآخرين في المشاركة في الرأي والقرار.
Post a Comment