العولمة المالية ومستقبل الأسواق العربية لراس المال 
مقدمة :
ظهر التحول نحو العولمة الاقتصادية في ضوء التغي ا رت العالمية السريعة والمتلاحقة والعميقة في آثارها
وتوجهاتها المستقبلية ٬ وخاصة تلك التي شهدها الربع الأخير من القرن العشرين الماضي ٬ حيث تحول
الاقتصاد العالمي بالفعل إلى قرية صغيرة متنافسة الأط ا رف بفعل الثورة التكنولوجية والمعلوماتية وأصبح
هناك سوقا واحدا يوسع دائرة ومجال المنافسة لكل المتعاملين الدوليين ٬ وأصبح اللاعبون الفاعلون في
السوق العالمي ليس فقط الدول والحكومات بل منظمات عالمية وشركات متعددة الجنسيات وتكتلات
اقتصادية عملاقة والكل يحاول توحيد سلوك اللعبة والتعامل ٬ ويسعى بكل قوة إلى اقتناص الفرص
ومواجهة التهديدات في إطار إ ا زلة القيود بكل أشكالها وتحرير المعاملات في ظل التحول نحو آليات
السوق .
وفي هذا الإطار برز مفهوم العولمة الاقتصادية كمفهوم جديد وتحولا اقتصاديا عالميا لا ي ا زل يثير جدلا
واسع النطاق حوله من حيث تحديده وآثاره وأبعاده والذي لا يمكن استيعابه إلا في ضوء تلك التغي ا رت
وخاصة مع ت ا زيد وتعميق مبدأ الاعتماد الاقتصادي المتبادل وتكون الأسواق العالمية وتحركات الأسعار
والتغي ا رت في حجم ونوعية الإنتاج وتوجهات التجارة العالمية وتحركات رؤوس الأموال الساخنة التي
تستخدم بشكل مؤثر في المضاربة الدولية من خلال المضاربين الدوليين والتابعين في معظم الأحيان
للشركات متعددة الجنسيات التي تعمل باستم ا رر على تخفيض تكلفة النقل والاتصالات وتحقيق التطو ا رت
التكنولوجية ومن ثم تحقيق العولمة الاقتصادية .
وتنقسم العولمة الاقتصادية إلى العولمة الإنتاجية والعولمة المالية التي سنركز عليها في هذا التقرير ٬ ولكن
بداية لابد لنا من تعريف العولمة الاقتصادية بشكلها الشامل ومن ثم الحديث عن العولمة المالية بشئ من
التركيز.
تعريف العولمة:
إن العولمة تنطوي على مفهوم ديناميكي يتحرك ويتشكل مع التغي ا رت العالمية التي تحدث حتى أن السنوات
القليلة وخاصة مع منتصف التسعينات من القرن العشرين التي طبقت فيها العولمة أبرزت الحاجة الى
17 مقرر الأسواق المالية
البحث في مفهوم العولمة أكثر وضوحا وأكثر عدالة وهذا ما يسعى إليه الجميع مع بداية الألفية الثالثة التي
بدأت في سنواتها الأولى .
ورغم كل ذلك طرح أهم التعريفات التي وردت للعولمة في محاولة لتعميق الأبعاد المختلفة لهذا المفهوم ٬
بل ومحاولة الخروج بتعريف مناسب يخدم التحليل الخاص بهذا التقرير حيث يمكن رصد التعريفات التالية:
-1 أن العولمة هي عملية تعميق مبدأ الاعتماد المتبادل بين الفاعلين في الاقتصاد العالمي بحيث ت زداد
نسبة المشاركة في التبادل الدولي والعلاقات الاقتصادية الدولية لهؤلاء من حيث المستوى والحجم والوزن
في مجالات متعددة وأهمها السلع والخدمات وعناصر الإنتاج بحيث تنمو عملية التبادل التجاري الدولي
لتشكل نسبة هامة من النشاط الاقتصادي الكلي وتكون أشكالا جديدة للعلاقات الاقتصادية الدولية في
الاقتصاد العالمي ٬ يتعاظم دورها بالمقارنة مع النشاط الاقتصادي على الصعيد المحلي .
ولعل من الواضح أن هذا التعريف للعولمة يركز على أنها عملية قائمة على تعميق الاعتماد المتبادل
وتحول الاقتصاد العالمي إلى سوق واحدة تزداد فيه نسبة المشاركة في التجارة العالمية على أساس إعادة
النظر في مبدأ التخصص وتقسيم العمل الدولي والوصول إلى نمط جديد للتخصص وتقسيم العمل الدولي ٬
والفاعلون هنا ليس فقط الدول والتكتلات الاقتصادية بل بالدرجة الأولى الشركات متعددة الجنسيات حيث
تتم حوالي 40 % من التجارة الدولية عبر تلك الكيانات العملاقة المتحدية القوميات .
-2 تعريف صندوق النقد الدولي الذي يرى أن العولمة الاقتصادية تتمثل في زيادة الاعتماد الاقتصادي
المتبادل بين الدول مع تنوع وتكامل المعاملات التي تتم عبر الحدود ٬ كما أنها نصف العمليات التي من
خلالها تؤدي الق ا ر ا رت والأحداث والأنشطة التي تحدث في أحد أج ا زء العالم إلى نتائج مهمة للأف ا رد
والمجتمعات في بقية أج ا زء العالم .
يتضح أن صندوق النقد الدولي يركز على مبدأ الاعتماد المتبادل بين الدول الذي يعتبر الأساس المحرك
للنشاط الاقتصادي نحو بلورة العولمة على جميع المستويات والعمليات .
أن العولمة هي تحول العالم بفضل الثورة التكنولوجية والمعلوماتية وانخفاض تكاليف النقل وحرية – 3
التجارة الدولية إلى سوق واحدة ٬ الأمر الذي أدى إلى منافسة أشد وطأة وأكثر شمولية ليس فقط في سوق
السلع بل في سوق العمل و أ رس المال أيضا .
يشير هذا التعريف إلى أن العولمة هي ناتج كل من الثورة التكنولوجية والمعلوماتية وانخفاض تكاليف النقل
وتحرير التجارة الدولية مع تطبيق اتفاقية الجات من خلال منظمة التجارة العالمية ٬ كما يبين أن العولمة
الاقتصادية تنطوي على عدة أنواع أهمها العولمة الإنتاجية والعولمة المالية .
وأخي ا ر تجدر الإشارة إلى وجود العديد من التعريفات الأخرى لمفهوم العولمة والتي لا يسعنا ذكرها في هذا
التقرير ٬ ولكن يمكننا النظر من خلال النظر الشمولي على جميع التعريفات التي وردت بهذا الخصوص
أن نعرف العولمة بأنها لا تخرج عن كونها السمة الرئيسية التي يتسم بها النظام الاقتصادي العالمي الجديد
الذي بدأ يتشكل في العقد الأخير من القرن العشرين والقائم على ت ا زيد درجة الاعتماد المتبادل بفعل
اتفاقيات تحرير التجارة العالمية والتحول لآليات السوق وتعميق الثورة التكنولوجية والمعلوماتية التي حولت
العالم إلى قرية عالمية متنافسة الأط ا رف تختفي فيها الحدود السياسية للدول القومية ويتفق في إطارها
الفاعلون الرئيسيون من دول وتكتلات اقتصادية ومنظمات دولية وشركات متعددة الجنسيات على قواعد
السلوك لخلق أنماط جديدة من تقسيم العمل الدولي وتكوين أشكالا جديدة للعلاقات الاقتصادية العالمية بين
الأط ا رف الرئيسية المكونة له والذي يعتبر في هذه الحالة الوحدة الاقتصادية الأساسية بكل ما فيها من
متناقضات .

Post a Comment

Previous Post Next Post